الخاطره بتاعتي بعنوان (( حوار مع كآبتي))
كانت ليلة طويلة من الأرق تقلبت في فراشي و قد جافاني النوم و في النهاية تركت الغرفة بهدوء لكي لا أوقظ اختي و ساعتها ساضطر إلى أن أتحمل نصف ساعة من اللوم و العتاب و نصف ساعة و أنا اُتّهم بإزعاج السطات و نصف ساعة من الاستجواب.
جلست وحدي في الصالة.... لم افتح النور بل جلست في الظلام الذي تناسب مع نفستي في تلك اللحظات.... تساءلت لماذا لا أتسطيع النوم؟ لماذا أحس باختناق غريب و كآبة من العيار الثقيل و كأن الكآبة وقعت معي عقد احتكار وقفت بغضب و غسلت وجهي بماء بارد لأفيق من هذه الحالة لكنني عدت لمكاني لذات الحالة و ذات الكآبة و بدأت في حوار معي... مع ذلك الجزء الكئيب من نفسي... ذلك الجزء الذي أريد أن أستأصله فلقد بدأ يتكاثر و يتعاظم حتى كاد أن يحتويني بأكملي فلا يترك مني جزء صغير للتفاؤل أو الفرح.
أنا: ماذا تريدين مني؟
كآبتي: لا أريد منكِ شئ؟ ثم لماذا تخاطبينني بهذا الأسلوب الغليظ؟
أنا: أتريدين الحقيقة؟
كآبتي: نعم.... بالطبع أريد الحقيقة.
ابتسمت بحبث: مؤكد أنكِ تريدين الحقيقة فانت تحبين الحزن و الكدر و العبوس و ما الذي قد يجلب هذه الأمور أكثر من الحقيقة.
قالت كآبتي و قد بدا عليها الغضب: إبدئي بالكلام دون ان تتفلسفي.... لماذا كل هذا القرف و الغضب مني؟
أنا: لأنني مللتك.
كآبتي بذهول: مللتينني؟ ما هذا الكلام؟ أنا منك و أنتِ مني لا تنسي هذا أبداً.... أنا جزء منكِ كيف ترفضينني فبدوني ستكونين كيان ناقص.
رفعت حاجبي في تساؤل ساخر: من الآن من يتفلسف؟!!... تعالي هنا و أخبريني عن أي كيان ناقص تتحدثين؟ إنك تسعين لاحتلالي بأكملي و لو لم أوقفك سأتحول إلى كيان كئيب قاتم.
نظرت لي كآبتي مجروحة: احتلالك؟ قلت لكِ أنني جزء منك قم ماذا تنتظرين مني إنني كآبة...حزن... هل تريدين أن أكون مصدر سعادة و فرح؟!!!!!
قلت ببرود مستفز: لا سمح الله.... كل ما أريده منكِ أن ترحلي عني.
صاحت بي: إنك ناكرة للمعروف.
اغتظت منها لكنني اخفيت غيظي بان ضحكت بسخرية: معروف؟ أي معروف هذا الذي تتكلمين عنه؟
كآبتي:من كان يساعدك في لحظاتك الحزينة عندما كنت تنعزلين عن من حولك صامتة....ألم أكن أحتويك و أساعدك على أن تنسي من جولك حتى تتخطي آلامك؟ و عندما كنت أزورك و أجلس معك ألم تكن جلساتنا معاً دافعاً لكِ لتكتبي و تكتبي... اعترفي أن خواطرك التي كنا نكتبها معاً بكل حزن و تعاسة كانت رائعة فانا ملهمتك في الكثير من الأمور.
أنا: معك حق كانت خواطر لا بأس بها.
صاحت بعناد: بل كانت جميلة...جميلة.
أنا: حسناً كانت جميلة لكن ذلك لا يعني أنني أحب أن أقضي وقتي في الحزن و الألم و التوجع.
كآبتي: لكن.....
قاطعتها بحزم: لا يوجد لكن سوف أعرض عليكِ صفقة إن قبلتيها كان بها و إن لم تفعلي فلا تلومي إلاّ نفسك و لسوف امحيكِ من حياتي أنتِ تعرفين أنني أستطيع ذلك.
صمتت كآبتي تفكر.... يبدو أنها صدقتني... الحمقاء لا تعرف أنني لا أستطيع أن أنفذ تهديدي فمن منا يستطيع أن يمحي أحزانه و كآبته و يستأصلها نهائياً.
قالت كآبتي على مضض: تكلمي إنني اسمعك.
حاولت أن اختفي ابتسامة النصر و قلت لها: وجودك لابد منه فلا أفراح بلا أترا و لا ضحكات بلا دموع... سوف اعترف بوجودك و أرحب بك داخلي....
همت بالكلام وقد أضرق وجهها لكنني قلت: شرط أن يكون حضورك بموافقتي و بامري فلا يطيب لي أن تشرفينني بحضورك في أي وقت كأن أكون جالسة مع صديقاتي نضحك و فجأة تظهري لي بفستانك الأسود الرااااائع الذي لا تغرينه أبداً.
احتجّت: لا تسخري من فستاني.
ضحكت: دعينا الآن من فستانك... إن ما أقصده أنه عندما يكون الوقت مناسباً لوجودك مرحباً بكِ و ذلك بالطبع تحت أمرتي و بموافقتي فانا من يقرر إن كان الوقت مناسباً.
نظرت لي كآبتي و صرت على أسنانها بغضب و عندما طال الصمت سألتها بخشونة: ها؟ ما قولك؟أطرقت برأسها: حسناً أنا موافقة لكن دعيني أقضي معك الليلة؟
سألتها بفظاظة: و ما المناسبة؟
صمتت بحيرة فقلت لها بذات الأسلوب الفظ: بما أنه لا مناسبة فدعيني لا أعطلك إلى اللقاء.
كنت أعرف أنها ستأتي في بعض الأحيان بدون استئذان لكنها لن تكثر من تلك الزيارات الغير مرغوب فيها.
نظرت لي بعجز فسألتها: هل نسيتي اتفاقنا بهذه السرعة؟
قالت: لا لم أنس.
قلت لها: أحسنتِ... هيا الآن إلى اللقاء.
راقبتها و هي تتراجع جرجرة أذيال الخيبة و الهزيمة....
استفقت من شرودي و أنا اضحك....كان هذا حوار وهمي بيني و بين كآبتي اختلقته لأسلي نفسي لكن كانت النتيجة مدهشة فلقد أحسست براحة عميقة بعد ذلك الحوار و توصلت لقرار.... أنا ملك نفسي بيدي أن أسعد و بيدي أن اكتئب فلماذا اضيع وقتي في كآبة غير مبررة.
ملحـــــــــــــــــوظة: يطيب لنا أن نغرق في كآبتنا و تعاستنا و نتمرغ فيها..نضيّع أيامنا في الكآبة و البكاء و ما يدعو للسخرية أن أغلب أوقاتنا الكئيبة تكون بلا سبب لذلك يجب ان نمسك بزمام و عقال أحزاننا فلا نتركها تصيح عليننا عندما يحلو لها و تنبح في وجوهنا وقتما تشاء ككلاب مسعورة " أعزكم الله".
لا وجود للحياة الخالية من الأحزان و الآلام فهذه الحياة ستكون في جنة الله " كتبها الله لنا جميعاً" و بناءاً على ذلك فمن المستحيل أن تفرغ حياتنا من الأحزان لكن مربط الفرس هو توقيت هذه الأحزان.... فلنكتئب وقت الكآبة و نتفاءل و نسعد في باقي أوقاتنا.... يجب أن يكون لكل منا جلسة خاصة مع "كآبته" ليوضح فيها الأمور و يجليها و ليكون (((هو))) من يضع القوانين....
فيجب أن نكون نحن من يُسيّر كآبتنا و ليست هي من تسيرنا و ترسم مخطط أيامنا